 
                                                    التدابير العالمية لمكافحة غسل الأموال
 
                        تنشأ جريمة غسل الأموال بداية بتحقيق أرباح مالية غير مشروعة عن طريق الاتجار بالأسلحة، الاتجار بالمخدرات، التهريب ، الاختلاس، الرشوة، الاحتيال الالكتروني وغيرها من المكاسب المالية المجرمة قانونا. ولأنها أموال (غير نظيفة) كما يطلق عليها المصرفيون فيحتاج صاحبها إلى إضفاء صفة الشرعية عليها وإخفاء مصدرها عن طريق إدخالها في النظام المالي من خلال إيداعات نقدية بدفعات صغيرة في حساب مصرفي، أو عن طريق شراء سلسلة من الأدوات النقدية مثل الشيكات وغيرها أو أدوات عينية مثل السيارات والأراضي والعقارات ومن ثم إعادة بيعها، وجمع الأموال وإيداعها في حساب مصرفي في مكان آخر. وتعد تلك العملية خطوة أولى يحتاج بعدها غاسل الأموال إلى إجراء مجموعة من العمليات المصرفية بتحويل الأموال عبر سلسلة من الحسابات في مختلف المصارف في جميع أنحاء العالم، بحيث يصعب تعقب مصدرها. بعد ذلك يقوم صاحب هذه الأموال باستثمارها في العقارات أو الأصول أو المشاريع التجارية وبذلك يكون قد نجح في دمج الأموال غير المشروعة في النظام المالي للدولة التي يستثمر فيها وتصبح جزء من الأموال المشروعة. ولقد أدى تعامل المجتمع الدولي مع جريمة غسل الأموال باعتبارها مشكلة دولية إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمكافحتها والحد من تأثيرها في زعزعة الاستقرار المالي وتسهيل تمويل الأنشطة الإجرامية، واستهدفت تلك التدابير حماية الأنظمة المالية وتعزيز الشفافية الاقتصادية. وتعد مجموعة العمل المالي (FATF) التي أسست عام 1989 إحدى أبرز صور التدابير العالمية لمكافحة غسل الأموال باعتبارها المنظمة الدولية الرئيسة المسؤولة عن وضع السياسات لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما تشكل توصياتها الأربعين الإطار الأساسي للجهود العالمية في هذا المجال، ومن أبرز تلك التوصيات تعزيز شفافية المؤسسات المالية من خلال إلزامها بالإبلاغ عن المعاملات المشبوهة، وتحديد هوية العملاء لضمان عدم استغلال البنوك والشركات المالية في عمليات غسل الأموال، وتعزيز التعاون الدولي بين الدول لتبادل المعلومات حول الأنشطة المالية المشبوهة، إضافة إلى فرض عقوبات مشددة على الجهات والأفراد المتورطين في غسل الأموال. ولاننا نتحدث عن أهم التدابير العالمية لمكافحة غسل الأموال فلا يمكننا إغفال اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة في عام 2000 والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2003، ومن أهم مخرجاتها إلزام الدول الموقعة عليها بوضع قوانين لمكافحة غسل الأموال وتسهيل التعاون القضائي لتسليم المجرمين المرتبطين بهذه الجرائم. وتحرص دول مجلس التعاون الخليجي ومن بينها الكويت، على الامتثال لمتطلبات FATF من خلال تحديث تشريعاتها وتنفيذ سياسات فعالة لمكافحة غسل الأموال، وقد اتخذ مجلس التعاون الخليجي خطوات جادة في هذا المجال، مثل إنشاء اللجنة الدائمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لتعزيز التعاون بين الدول الخليجية، إضافة إلى دعم تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الجهات الرقابية والمصرفية، وتبني أنظمة إلكترونية متقدمة لرصد المعاملات المالية المشبوهة. و من جهتها تسعى الكويت إلى التعزيز المستمر لإجراءاتها في مكافحة غسل الأموال بالبناء على الخطوات الرئيسة التي اتخذتها في هذا المجال منذ سنوات، ومن أبرزها إصدار القانون رقم 106 لسنة 2013 في شأن مكافحة وتمويل الإرهاب والذي يتوافق مع توصيات (FATF)، فضلا عن إنشاء وحدة تحريات مالية لمراقبة الأنشطة المالية المشبوهة. كما قامت الكويت بتطوير الرقابة على القطاع المصرفي، حيث فرض بنك الكويت المركزي على البنوك اتباع نظام صارم لتعزيز أنظمة بيانات العملاء وتحديثها بما يضمن الرصد والإبلاغ عن أي أنشطة مالية غير طبيعية، وتسعى الحكومة الكويتية الحالية عبر الجهات المعنية إلى اتخاذ المزيد من التدابير لتحسين التصنيف الدولي في مجال مكافحة غسل الأموال.
 
                     
                                                    