القوى العاملة في الكويت... سياسات متوازنة لبناء سوق عمل مستدام

By بقلم المحامي/ عبدالرحمن الحوطي 7/26/2025
image

تمثل القوى العاملة في الكويت بمكونيها الوطني والوافد دعامة أساسية للاقتصاد الكويتي، حيث تلعب العمالة الوطنية دوراً مهما في تحقيق رؤية الكويت المستقبلية، فيما تظل العمالة الوافدة مكوناً حيوياً في دعم مشاريع التنمية. ففي إطار رؤية “كويت 2035”، تسعى الحكومة إلى تعزيز دور العمالة الوطنية وتطوير مهاراتها لتلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة، وتخفيف الاعتماد على العمالة الوافدة في بعض القطاعات من خلال تحسين برامج التعليم والتدريب لإعداد الكوادر الوطنية وفقا لاحتياجات السوق مما يسهم في زيادة فرصها للعمل في القطاع الخاص. كما تعمل الحكومة على تحديث قوانين العمل بهدف توفير بيئة عمل مواتية للعمالة الوطنية وتحقيق توازن عادل بين حقوق العمال وأصحاب العمل، إضافة إلى توفير حوافز مادية وتسهيلات إدارية لتشجيع القطاع الخاص على توظيف العمالة الوطنية. أما العمالة الوافدة، فهي من العناصر الأساسية في الاقتصاد الكويتي، حيث تساهم بشكل كبير في مختلف القطاعات، بدءا من البناء والتشييد، وصولا إلى قطاعات الخدمات والتجارة والصناعة. ويعود تواجد العمالة الوافدة في الكويت تاريخيا إلى فترة الخمسينيات من القرن الماضي، عندما بدأت البلاد في تطوير بنيتها التحتية والاقتصادية بعد اكتشاف النفط؛ وصولا إلى السبعينيات والثمانينيات، وهي الحقبة التي كانت فيها دولة الكويت واحدة من أكبر مستقطبي العمالة الوافدة في المنطقة. ففي بداية القرن العشرين كانت الكويت تعتمد بشكل أساسي على صيد اللؤلؤ والتجارة، ومع اكتشاف النفط في عام 1938، بدأت البلاد في التحول نحو الاقتصاد النفطي، مما أدى إلى زيادة الحاجة إلى الأيدي العاملة. وفي منتصف القرن جلبت الكويت عددا كبيرا من العمالة الوافدة من دول مثل مصر، العراق، والهند للعمل في مجالات تنموية مختلفة، ومع مرور الزمن، ازدادت أعداد العمالة الوافدة بشكل ملحوظ، خاصة بعد الاستقلال في عام 1961 حيث سعت الكويت إلى تطوير بنيتها التحتية وتعزيز اقتصادها، مما استدعى استقدام عمالة من دول أخرى مثل الفلبين، بنغلاديش، ونيبال وغيرها من الدول. وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة العمالة الوافدة الآن في الكويت تتجاوز 84% وفقا لآخر إحصاءات سوق العمل يتركز غالبيتهم في القطاع الخاص ويتوزعون بين مختلف الأنشطة الاقتصادية من بينها مجالات البناء، الصناعة، الخدمات الصحية، والتعليم، مما يساعد في تحقيق التوازن بين العرض والطلب في سوق العمل، ويساهم في تلبية احتياجات الاقتصاد المتزايدة وفي تحقيق التنمية المستدامة. وتسعى الحكومة في إطار خططها التنموية الممتدة إلى العام 2035، وبما يتناسب مع التحولات المستقبلية في الاقتصاد،إلى تحسين أوضاع العمالة الوافدة من خلال تحديثات مستمرة للتشريعات التي تضمن حماية حقوقهم وتوفر لهم بيئة عمل آمنة. كما يعتبر القانون رقم 6 لسنة 2010 بشأن العمل في القطاع الأهلي من الركائز الأساسية لتنظيم أوضاع العمالة في الكويت، حيث يحدد حقوق وواجبات كل من العمال وأصحاب العمل بما يشتمل عليه من مواد واضحة تتعلق بأجر و ساعات العمل، الإجازات، وفترات الراحة، بالإضافة إلى حقوق العمال في حالة إنهاء الخدمة. وهناك إلزام قانوني على أصحاب العمل بتوفير بيئة عمل آمنة وصحية للعمال، والامتثال لقوانين السلامة المهنية، وتوفير الرعاية الصحية اللازمة من خلال التأمين الصحي، ودفع مستحقات نهاية الخدمة للعامل عند انتهاء عقد العمل، وفقًا لما ينص عليه القانون. ويوفر القانون حماية للعامل من الفصل التعسفي بالإشارة في نصه إلى انه “لا يجوز فصل العامل إلا وفقًا للأسباب المشروعة التي ينص عليها القانون، ويجب أن يتم ذلك وفقًا للإجراءات القانونية”، ويمنح العمال الحق في التظلم وتقديم شكاوى ضد أصحاب العمل في حال انتهاك حقوقهم، على أن تقوم الجهات المختصة بالنظر في هذه الشكاوى بصورة عادلة. وإضافة إلى ذلك ينظم قانون إقامة الأجانب دخول وخروج العمالة الوافدة، وتحديد شروط الإقامة والعمل، كما يشمل العقوبات المقررة على المخالفات المتعلقة بتأشيرات العمل، وتعمل الحكومة الآن على إصدار تشريع جديد في هذا الشأن بما يواكب التطلعات الاقتصادية للحقبة التنموية الجديدة. ومن خلال السياسات المتوازنة والبرامج الهادفة إلى تطوير المهارات الوطنية وتنظيم أوضاع العمالة الوافدة، تستطيع الكويت المضي نحو بناء سوق عمل مستدام يلبي طموحاتها التنموية ويدعم استقرارها الاقتصادي.