تعزيز الإطار التشريعي لمكافحة غسل الأموال

By بقلم المحامي/ عبدالرحمن الحوطي 10/15/2025
image

تؤثر جرائم غسل الأموال باعتبارها واحدة من أخطر الجرائم الاقتصادية بشكل مباشر على سمعة الشركات وتعوق استمراريتها، إضافة إلى تأثيرها الأكبر على استقرار الأسواق المالية والتجارية حول العالم. ولذلك فإن حماية الشركات من الوقوع في فخ الاستغلال بجعلها قناة لغسل الأموال لا تقتصر على الجانب الإداري أو الرقابي، بل تقوم بالأساس على الالتزام بالإطار القانوني الذي وضعته الدولة والامتثال الدقيق لما تضمنه من ضوابط. ولا يعني كون المؤسسات المصرفية والمالية هي المستهدف الأكبر في عمليات الاستغلال المالي وغسل الأموال باعتبارها بوابة دخول النظام المالي، أن الشركات التجارية بمنأى عن هذا الاستغلال، لأنها قد تُستخدم كواجهات لإضفاء المشروعية على الأموال التي تدخل النظام المالي. ولذلك فقد وضع القانون (106/ 2013) في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ولائحته التنفيذية منظومة من الضوابط والإجراءات الاحترازية التي تحد من ارتكاب تلك الجرائم بعقوبات رادعة، كما رسم الحدود القانونية لمسؤولية الشركات، سواء كانت مؤسسات مالية أو تجارية أو غيرذلك، وقد عززت الكويت الإطار التشريعي لهذا القانون بالتعديلات الواردة على هذا القانون في المرسوم بقانون رقم 76 لسنة 2025. وفي ضوء تلك الضوابط فقد منح القانون الشركات صلاحيات عديدة لحماية نفسها من الاستغلال أو الوقوع في شبهة جرائم مالية من أبرزها أحقيتها في التحقق من هوية العملاء، والإطلاع على مستنداتهم الرسمية، ومعرفة المستفيد الحقيقي من التعاملات، فضلا عن الاحتفاظ ببيانات العملاء ومعاملاتهم لمدة لا تقل عن خمس سنوات؛ حيث تمثل هذه السجلات أداة إثبات قانونية تحمي الشركة في حالات حدوث نزاع قانوني أو وجود مساءلة قانونية. ومن أوجه الحماية التنظيمية والقانونية عدم التراخي في الإبلاغ الفوري عن أية عمليات يشتبه فيها قبل إتمامها، وإنشاء جهة داخلية متخصصة لرصد المخاطر ومراقبة تنفيذ سياسات مكافحة غسل الأموال؛ حيث إن السياسات الداخلية تعد جزءا من الحماية القانونية للشركات، فصياغة لائحة داخلية لمكافحة غسل الأموال تمكن الشركة من تحديد المسؤوليات بوضوح، وتسهل إثبات قيامها بالالتزامات القانونية، كما أن تدريب الموظفين على مؤشرات الاشتباه وتوثيق برامج التدريب من عناصر الإثبات المهمة أمام المحاكم والجهات الرقابية. ونضيف إلى ذلك ضرورة التعاون مع الجهات الرقابية، ونؤكد من منظور قانوني ان الاستجابة الفورية للتعليمات والقرارات الصادرة من البنك المركزي ووزارة التجارة والجهات المختصة الأخرى وعدم التقاعس عن تقديم البيانات عند طلبها يجنب الشركة شبهة التواطؤ أو الإخفاء. أما فيما يخص المسؤولية القانونية عند الإخلال بالالتزامات الواردة في القانون، فإن عدم الإلتزام التام يعرض الشركة لمواجهة حزمة من المسؤوليات بدء من المسؤولية الجنائية بتغريم الشركة مبالغ مالية ضخمة قد تصل إلى ملايين الدنانير، فضلا عن عقوبات السجن بحق المسؤولين في حال ثبوت تواطؤ أو إهمال يضعهم تحت طائله القانون. وهناك مسؤولية مدنية تتمثل في قيام المتضررين أو الشركاء التجاريين برفع دعاوى تعويض نتيجة تضرر مصالحهم بسبب تورط الشركة في عمليات مشبوهة، إضافة إلى المسؤولية الإدارية من خلال فرض جزاءات رقابية مثل تعليق الترخيص وإلغائه أو سحب الاعتماد أو فرض قيود على الأنشطة. وبشكل عام، نقول إن الحماية القانونية للشركات المالية والتجارية في الكويت من مخاطر استغلالها في غسل الأموال تتطلب امتثال صارم للضوابط التشريعية، وإجراء التقييمات الدورية للمخاطر، والإبلاغ عن الشبهات، فعندما تضع الشركة نظاما فعالا للامتثال فإنها تحقق مجموعة من المكاسب لا تقف عند حدود الحماية القانونية، وإنما تساعد أيضا في تعزيز السمعة التجارية، والحصول على ثقة الشركاء والعملاء، بما يضمن الاستمرار في بيئة تجارية نظفية وخالية من شبهات غسل الأموال وغيرها من أوجه الشبهات المالية الأخرى.