 
                                                    التحكيم النافذ بقوة الاتفاقيات الدولية لتسوية نزاعات التجارة البحرية
 
                        ﻟقد ﺃﺻﺑﺢ ﺍﻟﺗﺣﻛﻳﻡ ﺍﻟﺗﺟﺎﺭﻱ ﺍﻟﺩﻭﻟﻲ بصفة عامة ﺍﻷﺳﻠﻭﺏ ﺍﻟﻐﺎﻟﺏ ﻓﻲ حل ﺍﻟﻣﻧﺎﺯﻋﺎﺕ ﺍﻟﺗﻲ ﺗﺛﻭﺭ في دائرة الأنشطة ﺍﻟﺗﺟﺎﺭﻳﺔ ﺍﻟﺩﻭﻟﻳﺔ، وذلك ﺑﻌﺩ ﺃﻥ ﺍﺗﺳﻌﺕ ﺭﻗﻌﺔ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺗﺟﺎﺭﻳﺔ ﺍﻟﺩﻭﻟﻳﺔ ﺑﻳﻥ ﺍﻷﺷﺧﺎﺹ ﺍﻟﻁﺑﻳﻌﻳﺔ ﻭﺍﻻﻋﺗﺑﺎﺭﻳﺔ ﻣﻥ ﺩﻭﻝ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ، ﻭﺍﺭﺗﻔﻊ ﺣﺟﻡ ﺍﻟﻌﻘﻭﺩ ﺍﻟتجارية لمبالغ هائلة، وزادت الحاجة إلى حلول سريعة وفاعلة. فأصبح من الصعب اليوم اﺑﺭاﻡ ﻋﻘﺩ ﺗﺟﺎﺭﻱ ﺩﻭﻟﻲ من ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺗﺿﻣﻥ ﺷﺭﻁﺎ ﺗﺣﻛﻳﻣﻳﺎ ﻳﻘﺿﻲ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻔﺻﻝ ﻓﻲ ﻛﻝ ﻧﺯﺍﻉ ينشئ ﻋﻥ ﺍﻟﻌﻘﺩ ﻋﻠﻰ ﻳﺩ ﻫﻳﺋﺔ ﺗﺣﻛﻳﻡ ﻣﻌﻳﻧﺔ ﻣﻥ ﻗﺑﻝ ﺃﻁﺭﺍﻑ ﺍﻟﻧﺯﺍﻉ، ﺃﻭ ﻋﻥ ﻁﺭﻳﻕ ﺍﻟﻠﺟﻭء ﺇﻟﻰ ﺇﺣﺩﻯ ﻣﺅﺳﺳﺎﺕ ﺍﻟﺗﺣﻛﻳﻡ ﺍﻟﺗﺟﺎﺭﻱ، فلم يعد ﺍﻟﺗﺣﻛﻳﻡ ﺍﻟﺗﺟﺎﺭﻱ ﺍﻟﺩﻭﻟﻲ ﻗﺎﺻﺭﺍ ﻋﻠﻰ ﻓﺽ ﺍﻟﻣﻧﺎﺯﻋﺎﺕ ﺍﻟﻧﺎﺷﺋﺔ ﻋﻥ ﻋﻘﻭﺩ ﺍﻟﺗﺟﺎﺭﺓ ﺍﻟﺩﻭﻟﻳﺔ ﻓﺣﺳﺏ، ﺑﻝ ﺇﻧﻪ ﻳُﻌﺩ ﻭﺳﻳﻠﺔ ﻟﺗﻔﺎﺩﻱ ﻧﺷﻭء ﺃﻱ ﻣﻧﺎﺯﻋﺎﺕ ﺗﺣﺩﺙ ﻓﻲ ﺃﺛﻧﺎء ﻣﻔﺎﻭﺿﺎﺕ ﺇﺑﺭﺍﻡ ﺍﻟﻌﻘﻭﺩ ﻁﻭﻳﻠﺔ ﺍﻟﻣﺩﻯ . ومن أكثر أنواع التجارة الدولية التي تعتمد على التحكيم في فض نزاعاتها ما يتعلق بالنشاط البحري كوسيلة مهمة من وسائل النقل التجاري الدولي؛ حيث ان المنازعات الناشئة عن النشاط التجاري البحري مثل الخلافات المتعلقة بعقود النقل البحري، والنزاعات حول ملكية السفن أو تشغيلها، والقضايا الناشئة عن حوادث البحر، مثل التصادم أو التلوث وما يتعلق بخلافات التأمين البحري تحتاج إلى آليات سريعة وفاعلة تواكب الزيادة المطردة في النشاط التجاري البحري العابر للقارات. ويعد التحكيم البحري حلا مثاليا يتناسب مع الخصوصية التي تسود العلاقات بين أطرافه، فهو نظام بسيط ومرن ومتخصص لحل المنازعات البحرية، يقوم على اتفاق الأطراف ذات العلاقة على أن يعهدوا بالمنازعات الحاصلة بينهم إلى محكمين من ذوي الخبرة في المجال البحري ليفصلوا فيها بأحكام ملزمة. وقد لاقى التحكيم البحري رواجا لا مثيل له في عصرنا الحالي نظرا لازدهار حركة التجارة الدولية حول العالم والتي يمثل النقل البحري بمثابة العمود الفقري لها؛ وذلك لما يوفره من مزايا عديدة يجعله الخيار الأول لحل مثل تلك القضايا منها السرعة في تسوية النزاعات بما يوفر الوقت مقارنة بالتقاضي التقليدي، والسرية، وحرية اختيار محكمين لديهم خبرة متخصصة في القانون البحري والممارسات التجارية البحرية، وتحديد الإجراءات والشروط التي تناسب نزعاهم. ولقد برزت العديد من الاتفاقيات الدولية التي تنظيم مسألة فض النزاعات المتعلقة بالتجارة البحرية من أبرزها اتفاقية نيويورك لعام 1958 والتي تعتبر حجر الأساس في التحكيم التجاري الدولي بما في ذلك التحكيم البحري، وقد عالجت تلك الاتفاقية مسألة قرارات التحكيم الأجنبية بإلزام الدول الأطراف في تلك الاتفاقية بضمان الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبي واعتبارها عموما قابلة للنفاذ في ولاياتها القضائية مثل قرارات التحكيم المحلية. وبعد تلك الاتفاقية العامة ظهرت اتفاقيات متخصصة بالشأن التجاري البحري مثل اتفاقية الأمم المتحدة في عام 1978 والخاصة بعقود النقل الدولي للبضائع عن طريق البحر والمعروفة باسم (قواعد هامبورج)، وتتيح للأطراف المتنازعة حول عقود النقل البحري اللجوء إلى التحكيم، وكذلك اتفاقية الأمم المتحدة لنقل البحري للبضائع في عام 2008 والمعروفة باسم (قواعد روتردام)، وتهدف إلى توحيد القواعد المتعلقة بالنقل البحري، ولقد عززت تلك الاتفاقية من مرونة التحكيم البحري من خلال السماح لأطراف العقد باختيار مكان التحكيم وشروطه. أما بالنسبة للكويت فيشكل النشاط البحري جزءا أساسيا من اقتصادها، نظرا لما تتمتع بها الدولة من موقع استراتيجي على الخليج العربي، ولذلك كان من الأهمية التفاعل تشريعا لتنظيم هذا النشاط الحيوي، وقد كان ذلك بصدور القانون رقم 28 لسنة 1980 في شأن التجارة البحرية وهو قانون ضخم مكون من 325 مادة تغطي كافة أنشطة التجارة البحرية منها الرقابة على السفن، الحقوق العينية على السفينة، الملكية الشائعة، حقوق الامتياز، الرهن البحري، تنظيم العمل البحري، عقود النقل البحري، الحوادث البحرية، عقود التأمين .. الخ. أما عملية التحكيم في الكويت فينظم أحكامها القانون رقم (11) لسنة 1995 بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية، حيث يتم التحكيم القضائي في النزاعات المتعلقة بالتجارة البحرية بما يتناسب مع المبادئ العامة للتحكيم البحري الدولي. وفي هذا الإطار، ومواكبة لمشاريع الكويت التنموية الضخمة مثل ميناء مبارك الكبير، وتوجهها إلى أن تكون مركز إقليمي للنقل البحري، واستنادا إلى مرونة قوانينها وتوافقها مع الاتفاقيات الدولية فانها تملك البنية التحتية المهيئة لتعزيز آليات فض النزاعات البحرية عبر إعداد محكمين متخصصين من ذوي الخبرة في القضايا البحرية، وإنشاء مراكز تحكيم بحري متخصصة.
 
                     
                                                    